فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {وأشربوا في قلوبهم العجل} فيه استعارة مكنية، شبه حب عبادة العجل، بمشروب لذيذ سائغ الشراب، وطوى ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه، وهو الإشراب على طريق الاستعارة المكنية. قال في تلخيص البيان: وهذه استعارة، والمراد وصف قلوبهم بالمبالغة في حب العجل فكأنها تشربت حبه، فمازجها ممازجة المشروب، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ.
أقول: هذه صورة رائعة فريدة، من روائع البيان، فكأن حب العجل شراب حلو لذيذ، خالطت حلاوته الأفواه والأمعاء، فسرى فيها كما يسري الشراب في مسالك البدن.
2- {قل بئسما يأمركم به إيمانكم} إسناد الأمر إلى الإيمان، تهكم بهم كقوله تعالى: {أصلاتك تأمرك}؟ وكذلك إضافة الإيمان إليهم، أفاده الزمخشري.
3- التنكير في قوله: {على حياة} للتنبيه على أن المراد بها حياة مخصوصة، وهي الحياة المتطاولة التي يعمر فيها الشخص آلاف السنين.
4- {فإن الله عدو للكافرين} الجملة واقعة في جواب الشرط، وجيء بها إسمية لزيادة التقبيح، لأنها تفيد الثبات، ووضع الظاهر موضع الضمير فقال: {عدو للكافرين} بدل عدو لهم، لتسجيل صفة الكفر عليهم، وأنهم بسبب عداوتهم للملائكة أصبحوا من الكافرين.
5- {وجبريل وميكال} جاء اسمهما بعد ذكر الملائكة فهو من باب ذكر الخاص بعد العام، للتشريف والتعظيم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا}: الكلام في {مَنْ} كما تقدم، إلاَّ أن الجواب هنا يجوز أن يكون {فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}.
فإن قيل: وأين الرَّابط؟
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن الاسم الظاهر قام مقام المضمر، وكان الأصل: فإن الله عَدُوّ لهم، فأتى بالظَّاهر تنبيهًا على العلة.
والثاني: أن يراد بالكافرين العموم، والعموم من الرَّوَابط، لاندراج الأول تحته، ويجوز أن يكون محذوفًا تقديره: من كان عدوًّا لله فقد كفر ونحوه.
وقال بعضهم: الواو في قوله: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} بمعنى أو، قال: لأن نم عادى واحدًا من هؤلاء المذكورين، فالحكم فيه كذلك.
وقال بعضهم: هي للتفضيل، ولا حاجة إلى ذلك، فإن هذا الحكم معلوم، وذكر جبريل ميكال بعد اندراجهما أولًا تنبيهٌ على فضلهما على غيرهما من الملائكة، وهكذا كُلْ ما ذكر خاص بعد عام، ويحتمل أن يكون أعاد ذكرهما بعد اندراجهما؛ لأن الذي جرى بين الرَّسول وبين اليهود هو ذكرهما، والآية إنما نزلت بسببهما، فلا جَرَمَ نصّ على اسميهما، واعلم أنَّ هذا يقتضي كونهما أشرف من جميع الملائكة، وبعضهم يسمى هذا النوع بالتجريد، كأنه يعني به أنه جرد من العموم الأول بعض أفراده اختصاصًا له بمزية، وهذا الحكم أعني ذكر الخاصّ بعد العام مختصّ بالواو ولايجوز في غيرها من حروف العطف.
وجعل بعضهم مثل هذه الآية أعني: في ذكر الخاصّ بعد العام تشريفًا له قوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وهذا فيه نظر، فإن {فاكهة} من باب المطلق؛ لأنها نكرة في سياق الإثبات، وليست من العموم في شيء، فإن عنى أن اسم الفاكهة يطلق عليهما من باب صِدْق اللَّفظ على ما يحتمله، ثم نص عليه فصحيح، وأتى باسم الله ظاهرًا في قوله: {فإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ}؛ لأنه لو أُضمر فقيل: فإنه لأوهم عوده على اسم الشرط، فينعكس المعنى، أو عوده على ميكال؛ لأنه أقرب مذكور.
وميكائيل اسم أعجمي، والكلام فيه كالكلام في جبريل من كونه مشتقًّا من ملكوت الله عز وجل، أو أن ميك بمعنى عبدن وإيل اسم الله، وأن تركيبه تركيب إضافة أو تركيب مزج، وقد عرف الصحيح من ذلك.
وفيه سبع لغات: {مِيكَال} بزنة مِفْعَال وهي لغة الحجاز، وبها قرأ أبو عمر وحفص عن عصام، وأهل البصرة؛ قالوا: البسيط:
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا عُدَدٌ ** فِيهِ مَعَ النَّصْرِ مِيكَالٌ وَجِبْرِيلُ

وقال جرير: الكامل:
عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَبُوا بمُحَمَّد ** وَبِجَبْرَئِيلَ وَكَذَّبُوا مِيْكَالاَ

الثانية: كذلك، إلاَّ أن بعد الألف همزة، وبها قرأ نافع وأهل المَدينة بهمزة واختلاس ميكائيل.
الثالثة: كذلك، إلا أنه بزيادة ياء بعد الهمزة بوزن ميكائيل، وهي قراءة الباقين.
الرابعة: ميكئيل مثل ميكعيل، وبها قرأ ابن محيصن.
الخامسة: كذلك، إلاَّ أنه لا ياء بعد الهمزة، فهو مثل: مِيكَعِل، وقرئ بها.
السادسة: ميكاييل بياءين بعد الألف، وبها قرأ الأعمش.
السابعة: ميكاءَل بهمزة مفتوحة بعد الألف كما يقال: إسراءَل، وحكى المَاوَرْدِيّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن جَبْر بمعنى عَبْد بالتكبير، وميكا بمعنى عُبَيْد بالتصغير، فمعنى جبريل: عبدالله، ومعنى ميكائيل: عبيد الله قال: ولا يعلم لابن عباس في هذا مخالف.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: وزاد بعض المفسّرين: وإسرافيل عبدالرحمن.
قال النحاس: ومن قال: جبر عبد، و(أل) الله وجب عليه أن يقول: هذا جَبْرُئِل، ورأيت جَبْرَئِل، ومررت بِجَبْرِئِل، وهذا لا يقال، فوجب أن يكون مسمى بهذا.
وقال غيره: ولو كان كما قالوا لكان مصروفًا، فترك الصرف يدلّ على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (99):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فرغ من ترغيبهم في القرآن بأنه من عند الله وأنه مصدق لكتابهم وفي جبريل بأنه الآتي به بإذن الله ومن ترهيبهم من عداوته أتبعه مدح هذا القرآن وأنه واضح الأمر لمريد الحق وإن كفر به منهم أو من غيرهم فاسق أي خارج عما يعرف من الحق فإنه بحيث لا يخفى على أحد فقال تعالى- عطفًا على قوله: {فإنه نزله على قلبك بإذن الله} [البقرة: 97]، أو قوله: {ولقد جاءكم موسى بالبينات} [البقرة: 92]، أو على ما تقديره: فلقد بان بهذا الذي نزله جبريل عليه السلام أن الآخرة ليست خالصة لهم وأنهم ممن أحاطت به خطيئته لكفره: {ولقد أنزلنا} بعظمتنا في ذلك وغيره {إليك} وأنت أعظم الخلق {آيات بينات} في الدلالة على صدقك وصحة أمرك، والبينة الدلالة الفاصلة بين القصة الصادقة والكاذبة، ففسقوا بكفرهم بها {وما يكفر بها} منهم ومن غيرهم {إلا الفاسقون} الذين الفسق لهم صفة لازمة، وعن الحسن أن الفسق إذا استعمل في نوع من المعاصي وقع على أعظمه من كفر وغيره وفي ذلك رجوع إلى وصف الكتاب الذي هو مقصود السورة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا نوع آخر من قبائحهم وفضائحهم قال ابن عباس: إن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فلما بعث من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه: فقال لهم معاذ بن جبل يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك وتخبروننا أنه مبعوث وتصفون لنا صفته، فقال بعضهم ما جاءنا بشيء من البينات وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله تعالى هذه الآية. اهـ.
قال الفخر:
الأظهر أن المراد من الآيات البينات القرآن الذي لا يأتي بمثله الجن والإنس ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وقال بعضهم: لا يمتنع أن يكون المراد من الآيات البينات القرآن مع سائر الدلائل نحو امتناعهم من المباهلة ومن تمني الموت وسائر المعجزات نحو إشباع الخلق الكثير من الطعام القليل ونبوع الماء من بين أصابعه وانشقاق القمر.
قال القاضي: الأولى تخصيص ذلك بالقرآن؛ لأن الآيات إذا قرنت إلى التنزيل كانت أخصَّ بالقرآن؛ والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
الوجه في تسمية القرآن بالآيات وجوه:
أحدها: أن الآية هي الدالة وإذا كانت أبعاضُ القرآن دالةً بفصاحتها على صدق المدعي كانت آيات، وثانيها: أن منها ما يدل على الإخبار عن الغيوب فهي دالة على تلك الغيوب، وثالثها: أنها دالة على دلائل التوحيد والنبوة والشرائع فهي آيات من هذه الجهة، فإن قيل: الدليل لا يكون إلا بينًا فما معنى وصف الآيات بكونها بينة، وليس لأحد أن يقول المراد كون بعضها أبين من بعض لأن هذا إنما يصح لو أمكن في العلوم أن يكون بعضها أقوى من بعض وذلك محال، وذلك لأن العالم بالشيء إما أن يحصل معه تجويز نقيض ما اعتقده أو لا يحصل، فإن حصل معه ذلك التجويز لم يكن ذلك الاعتقاد علمًا وإن لم يحصل استحال أن يكون شيء آخر آكد منه.
قلنا: التفاوت لا يقع في نفس العلم بل في طريقه؛ فإن العلوم تنقسم إلى ما يكون طريق تحصيله والدليل الدال عليه أكثر مقدمات فيكون الوصول إليه أصعب، وإلى ما يكون أقل مقدمات فيكون الوصول إليه أقرب، وهذا هو الآية البينة. اهـ.
قال الفخر:
الإنزال عبارة عن تحريك الشيء من الأعلى إلى الأسفل وذاك لا يتحقق إلا في الجسمي فهو على هذا الكلام محال لكن جبريل لما نزل من الأعلى إلى الأسفل وأخبر به سمي ذلك إنزالًا. اهـ.
قال الفخر:
الكفر بها من وجهين.
أحدهما: جحودها مع العلم بصحتها.
والثاني: جحودها مع الجهل وترك النظر فيها والإعراض عن دلائلها وليس في الظاهر تخصيص فيدخل الكل فيه. اهـ.
قال الفخر:
الفسق في اللغة خروج الإنسان عما حد له قال الله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ} [الكهف: 50] وتقول العرب للنواة: إذا خرجت من الرطبة عند سقوطها فسقت النواة، وقد يقرب من معناه الفجور لأنه مأخوذ من فجور السد الذي يمنع الماء من أن يصير إلى الموضع الذي يفسد إذا صار إليه فشبه تعدي الإنسان ما حد له إلى الفساد بالذي فجر السد حتى صار إلى حيث يفسد.
فإن قيل: أليس أن صاحب الصغيرة تجاوز أمر الله ولا يوصف بالفسق والفجور؟ قلنا: إنه إنما يسمى بهما كل أمر يعظم من الباب الذي ذكرنا لأن من فتح من النهر نقبًا يسيرًا لا يوصف بأنه فجر ذلك النهر وكذلك الفسق إنما يقال: إذا عظم التعدي.
إذا ثبت هذا فنقول في قوله: {إِلاَّ الفاسقون} وجهان، أحدهما: أن كل كافر فاسق ولا ينعكس فكأن ذكر الفاسق يأتي على الكافر وغيره فكان أولى.
الثاني: أن يكون المراد ما يكفر بها إلا الكافر المتجاوز عن كل حد في كفره والمعنى أن هذه الآيات لما كانت بينة ظاهرة لم يكفر بها إلا الكافر الذي يبلغ في الكفر إلى النهاية القصوى وتجاوز عن كل حد مستحسن في العقل والشرع. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولقد أنزلنا آيات بينات}: سبب نزولها، فيما ذكر الطبراني، أن ابن صوريا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما جئت بآية بينة، فنزلت.
وقال الزمخشري: قال ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل عليك من آية فنتبعك لها، فنزلت. انتهى.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، لأنه لما ذكر تعالى جملًا من قبائح اليهود وذمهم على ذلك، وكان فيما ذكر من ذلك معاداتهم لجبريل، فناسب ذلك إنكارهم لما نزل به جبريل، فأخبر الله تعالى بأن الرسول عليه السلام أنزل عليه آيات بينات، وأنه لا يجحد نزولها إلا كل فاسق، وذلك لوضوحها.
والآيات البينات، أي القرآن، أو المعجزات المقرونة بالتحدّي، أو الإخبار عما خفي وأخفي في الكتب السالفة، أو الشرائع، أو الفرائض، أو مجموع كل ما تقدّم، أقوال خمسة.
والظاهر مطلق ما يدل عليه آيات بينات غير معين شيء منها، وعبر عن وصولها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنزال، لأن ذلك كان من علوّ إلى ما دونه.
{وما يكفر بها إلا الفاسقون}: المراد بالفاسقين هنا: الكافرون، لأن كفر آيات الله تعالى هو من باب فسق العقائد، فليس من باب فسق الأفعال.
وقال الحسن: إذا استعمل الفسق في شيء من المعاصي، وقع على أعظمه من كفر أو غيره. انتهى.
وناسب قوله: بينات لفظ الكفر، وهو التغطية، لأن البين لا يقع فيه إلباس، فعدم الإيمان به ليس لشبهة لأنه بين، وإنما هو تغطية وستر لما هو واضح بين.
وستر الواضح لا يقع إلا من متمرد في فسقه، والألف واللام في الفاسقون، إما للجنس، وإما للعهد، لأن سياق الآيات يدل على أن ذلك لليهود.
وكنى بالفسق هنا عن الكفر، لأن الفسق: خروج الإنسان عما حدّ له.
وقد تقدّم قول الحسن أنه يدل على أعظم ما يطلق عليه، فكأنه قيل: وما يكفر بها إلا المبالغ في كفره، المنتهي فيه إلى أقصى غاية. اهـ.